U3F1ZWV6ZTM4NDgxMTk4MDE3NjZfRnJlZTI0Mjc3MjY3MjA5NDU=

الفجوة الاستراتيجية

 

الفجوة الاستراتيجية

مقدمة

يعتبر تحليل الفجوة الإستراتيجية كأحد الأدوات و الأساليب التي يمكن استخدامها في مجالات التحليل الاستراتيجي، وذلك لمقارنة الأداء الحالي و المستقبلي والمتوقع من الموارد التي يمكن الحصول عليها مستقبلا، واستخدامها في مجال التقييم و الرقابة الإستراتيجية من جهة، وتوليد القدرة وتوفير المهارات التحليلية وتحديد الخبرات الإستراتيجية المثلى التي تساعد المؤسسة على البقاء و الاستمرارية.

مفهوم الفجوة الاستراتيجية

الفجوة الإستراتيجية هي حقيقة متواجدة في جميع المؤسسات، فهي فجوة بين الرؤية و التنفيذ كما هو مبين في مهمة المؤسسة، أهدافها و استراتيجياتها، و تعتبر الفجوة الإستراتيجية تهديدا للأداء المستقبلي والحالي ومؤثر على كفاءة وفعالية فريق الإدارة.

تنشأ الفجوة الإستراتيجية من حالة المقارنة بين المستهدف تحقيقه أو مستوى طموح إدارة المؤسسة و بين التوقعات الأولية بالمستوى الآتي و المتوقع. وفقا لهذا التصور فإن وجود الفجوة يتطلب من المؤسسة إعادة النظر في مستوى طموحاتها لتأتي منسجمة مع التوقعات الأولية التي وضعت تماشيا مع التشخيص الاستراتيجي للمؤسسة. فإذا كان مستوى طموح المؤسسة أكبر من الموارد و الإمكانيات المتاحة و المتوقعة، فعليها أن تبحث و تعيد النظر في طبيعة اختيار الإستراتيجية و مراجعة مراحل التخطيط الاستراتيجي، وذلك لمعالجة الفجوة دون اللجوء إلى إعادة النظر في مستوى الطموح أو الاستغناء عن بعض الأهداف المحددة مسبقا.

كما أن الفجوة الإستراتيجية هي الفرق بين توقعات المؤسسة التي تتسم بتقديرات تطور إمكانيات المؤسسة خلال الفترة الإستراتيجية المزمع تغطيتها في المستقبل وبين الأهداف التي تم التوصل لوضعها أو تطويرها. فالفجوة الإستراتيجية محصورة بين الأهداف المرغوب و المطلوب انجازها مستقبلا و بين التطور المتوقع لإمكانيات المؤسسة في المستقبل، و بالتالي فهي لاتهتم بالأداء الحالي و إنما تهتم بالآفاق المستقبلية، خاصة و أن الأهداف تمثل حالة مستقبلية مطلوب انجازها.

و أيضا الفجوة الإستراتيجية هي الفرق بين ماهو مطلوب و ماهو متوقع، أي أن الفجوة تمثل الفرق بين الهدف المستقبلي المطلوب انجازه، وبين الحالة المستقبلية المتوقعة، فهو يتعامل مع المستقبل. ويتضح هنا بأن الفجوة الإستراتيجية هي مشكلة ناجمة عن المرحلة التي يتم من خلالها تحديد الأهداف، ثم تهيئة وإعداد المتطلبات الأساسية لتحقيق تلك الأهداف، أي أن المشكلة تكمن في الفرق بين ماتملكه المؤسسة من موارد آنية و مستقبلية و بين ما تسعى إلى تحقيقه.

 كما ينظر للفجوة الإستراتيجية بأنها الفرق بين الوضع الذي ترغب في تحقيقه المؤسسة و بين وضعها الحالي. حيث يركز هذا المفهوم على أن الفجوة تمثل الفرق بين المخطط و المتوقع، أي الانحراف المحقق بين مضامين الخطة الإستراتيجية المستقبلية و بين ما تحقق من أداء فعلي.

و تدخل الفجوة الإستراتيجية ضمن إطار عمل الرقابة الإستراتيجية التي تبدأ عند الحصول على المعلومات المتعلقة بنتائج تنفيذ الإستراتيجية الحالية، حيث تتم مقارنة هذه النتائج مع الأهداف الإستراتيجية للمؤسسة وكذلك مع أعمال المؤسسات المنافسة من خلال مجموعة من المؤشرات التي يمكن اعتمادها كالحصة السوقية، الربح الصافي، معدل العائد على الاستثمار، العائد على المبيعات بالإضافة إلى نسبة نمو الأعمال و غيرها من المؤشرات التي يمكن اعتمادها عند التقييم. حيث يرى بأن الفجوة الإستراتيجية بين الأداء الكلي للمؤسسة و النتائج المتوقعة من قبل الإدارة العليا.

 و بمقاربة أخرى فالفجوة الإستراتيجية هي مرحلة من مراحل المسار الاستراتيجي، وهي تعبر عن الفجوة بين الأداء الحالي والأداء المرغوب فيه للمؤسسة أي الفرق بين المخطط و المتوقع من خلال المقارنة بين الأهداف الإستراتيجية و التوقعات الإستراتيجية، و الموصوف في مهمتها، أهدافها و الإستراتيجية لتحقيقهم، يمكن أن تتحول الفجوة الإستراتيجية إلى امتداد استراتيجي strategic stretch وهي خطر على الأداء المستقبلي للمؤسسة وحتى الأداء الحالي.

ويمكن التعبير عن الفجوة الإستراتيجية كمرحلة من المسار الاستراتيجي، حيث تنتج الفجوة الإستراتيجية بناء على مقارنة بين المؤسسة ومحيطها من خلال مقارنة نقاط القوة/الضعف والفرص و التهديدات أي المهارات/الموارد و الرؤية الإستراتيجية في ظل الأهداف الإستراتيجية، وتأتي الفجوة الإستراتيجية ضمن مرحلة القرار الاستراتيجي والتي يبنى عليها تنفيذ الإستراتيجية و الرقابة عليها، وبالتالي فالفجوة الإستراتيجية هي نقطة الارتكاز في المسار الاستراتيجي.

أسباب الفجوة الإستراتيجية

يرتبط ظهور الفجوة الإستراتيجية في المؤسسة بعدة أسباب .

1. التسيير/الادارة

يمكن للتسيير أن يحدث فجوة بين الإستراتيجية و التنفيذ من خلال الفعل و اللافعل وذلك بأربعة مسببات رئيسية يمكن التطرق لها كمايلي:

1.1 الفشل في توفير الدعم للخطة

على فريق الإدارة العليا وضع خطة إستراتيجية بأهداف وسياسات تلقى الدعم من جميع أفراد المؤسسة، فموافقة أفراد المؤسسة على الخطة يساهم في نجاحها. و قد ينتج على عدم دعم أفراد المؤسسة للخطة اتجاه عكسي في تخصيص الموارد لتنفيذ المبادرات الإستراتيجية، في حين أن الوقت المخصص للتسيير قد يذهب للبحث عن عوامل موضحة للوضعية الحالية، وبالتالي فالجهد والوقت المبذول في غير محله يؤدي إلى حدوث فجوة إستراتيجية ويمنع تنفيذ الخطة.

كما يجب وضع ثقافة للمؤسسة و مجموعة قيم تدعم الرؤية الإستراتيجية، وتعد دليل لقرارات الموظفين وسلوكاتهم، وبالمقابل على الموظفين تقديم التغذية العكسية المتعلقة بقدرتهم على تنفيذ الإستراتيجية، حيث أن عدم الاستماع للموظفين، عدم التواصل معهم، حل النزاعات و الخلافات وتباين وجهات النظر وعدم بناء ثقافة التعلم يؤدي إلى وجود استراتيجيات غير واقعية ولا يمكن تنفيذها، وهذه الوضعية سوف تؤدي إلى فجوة إستراتيجية.

2.1 عدم القدرة على إيصال الإستراتيجية إلى جميع المستويات التنظيمية (الفشل في الاتصال)

إن المسيرين على المستوى التشغيلي والأفراد التابعين لهم، هم المسؤولين على تنفيذ الإستراتيجية ولذلك فهم بحاجة لمعرفة كيفية تأثير الإستراتيجية عليهم. فتبعا لدراسات قام بها (Kaplan et Norton) مبتكري بطاقة الأداء المتوازن، فإن أقل من 5 ٪ من أفراد المؤسسة يفهمون إستراتيجية المؤسسة، وبدون وجود فكرة واضحة حول ماهية الإستراتيجية، الرؤية وتوجه المؤسسة فإن تصرف الأفراد لا يكون في اتجاه تنفيذ فعال لخطة المؤسسة.

إن مناقشة الإستراتيجية هو أمر حيوي في جميع مستويات وعمليات التسيير، فمن الضروري اطلاع الأفراد على السياسات المنبثقة عن الإستراتيجية، وفهم الأهداف المرتبطة بالسياسات والمؤثرة على أداءهم وبالتالي إمكانية تعديل سلوكاتهم بما يخدم أداءهم و أداء المؤسسة، كما يجب على هذه الأخيرة اطلاع الأفراد على تطور أداءهم نحو تطبيق السياسات بما يخدم تنفيذ أهداف الإستراتيجية.

إن الفشل في إيصال الإستراتيجية ومناقشتها في جميع المستويات تنشأ عنه فجوة إستراتيجية.

3.1 عدم الالتزام بالخطة

تقوم العديد من المؤسسات باتخاذ القرار كرد فعل وليس كمنظور استراتيجي، فيقوم المسير بالتحليل فقط بناء على معطيات مالية وليس بناء على معطيات إستراتيجية، فيعتمد على تحليل الميزانيات و التكاليف أكثر من تحليل الإستراتيجية و السياسات المنبثقة عنها، وكنتيجة لهذا يقوم المسير في المستوى التنفيذي بالاعتماد على المتغيرات المالية التي لاعلاقة لها بالمبادرات الإستراتيجية الموجودة في الخطة. وبالتالي فالمؤسسة التي تبتعد عن إستراتيجيتها في الفعل ورد الفعل يتنج عنه فجوة إستراتيجية.

4.1 الفشل في التكيف مع التغيرات المهمة

ما يميز المحيط الحالي للمؤسسات هو ديمومة التغيير، لذلك فالخطط الإستراتيجية مبنية على مجموعة من الافتراضات كنمو الأسواق، القدرة الإنتاجية و أفعال المنافسين، فإذا تغيرت هذه الافتراضات فمن غير المرجح أن تبقى الإستراتيجية صحيحة، لذلك من غير المنطقي أن تتبع المؤسسة نفس الخطة عندما تتغير الافتراضات الأساسية، إلا إذا تم تعديل الإستراتيجية لتعكس التغيرات الحاصلة على الافتراضات وإلا سوف تحدث فجوة إستراتيجية.

2. العمليات

تعتبر العمليات المستخدمة في المؤسسة للتنفيذ و الرقابة على الإستراتيجية من المسببات للفجوة الإستراتيجية. ويمكن توضيح ذلك من خلال مايلي:

1.2 نقص التركيز الاستراتيجي

نقص التركيز الاستراتيجي هو واحدة من الانتقادات الموجهة للتخطيط الكلاسيكي، فعوض التركيز على وضعية المؤسسة في المدى الطويل فإن التخطيط الكلاسيكي يركز على الأرباح للسنة الحالية من خلال استخدام الميزانيات. فالميزانية تدعم تنفيذ الإستراتيجية ، فهي أداة للرقابة على كيفية تخصيص الموارد والتي تؤثر على انجازات المؤسسة، وبالتالي توجد فجوة بين الخطة الإستراتيجية والميزانية المعتمدة لدعم هذه الخطة، لأن الميزانية تركز على الحسابات و التكاليف بينما تركز الخطة الإستراتيجية على الاستراتيجيات و السياسات وبدون ربط مابين الاثنين تبقى الميزانية مجرد أرقام لا تخدم الخطة الإستراتيجية.

نفس الأمر يتعلق بالتقارير المالية الخاصة بالوضعية الحالية و التوقع للأداء المستقبلي، فبالنسبة لأغلبية المؤسسات التقارير المالية عبارة عن حسابات المصاريف و الإيرادات لكل قسم من أقسام المؤسسة أي عبارة دفتر حسابات المؤسسة، لذلك على واضعي الميزانية و التقارير المالية تكييف أعمالهم لتحقيق الأهداف الإستراتيجية.

2.2 الاعتماد على جدول زمني محدد

بالنسبة لأغلبية المؤسسات فإن إعداد الميزانية هو عملية سنوية تستلزم وقتا لإعدادها، وحسب عدة دراسات فدورة إعداد الميزانية تستغرق أربعة أشهر وهي تتبع الخطة الإستراتيجية، فالمؤسسات التي تقوم بإعداد الميزانية سنويا تحاول توقع الإحداث المستقبلية لحوالي 16 شهرا وهذا غير واقعي ويقود إلى فجوة إستراتيجية.

ولذلك ففي ظل محيط متسارع، على المؤسسة اعتماد التخطيط كعملية مستمرة في اتخاذ القرار، تخصيص الموارد و تسيير الأداء، لكن أغلبية المؤسسات تعتبر التخطيط وإعداد الميزانية كعملية مالية وسنوية وهذا مايترك المؤسسة غير مستعدة للتغيرات التي تحدث في محيطها.

بالإضافة إلى هذا، فإن 74 ٪ من المؤسسات تقوم بإعداد التقارير المالية مع نهاية كل شهر، وبالتالي فالاعتماد على تواريخ محددة لإعداد الميزانية و التقارير المالية يؤخر فرصة التعامل مع أهم الاتجاهات الناشئة التي يمكن أن تكون مهمة للتنفيذ الفعال للإستراتيجية. و ما يمكن أن نستخلصه أن أغلبية المؤسسات تملك المعطيات، لكن العمليات و الأدوات المستخدمة هي التي تعيق تقدمها، لذلك فالمطلوب منها اعتبار التخطيط وإعداد الميزانية و التقارير المالية كعمليات يتم تشغيلها بناء على التغيرات الحاصلة وليس بناء على جدول زمني محدد.

3.2 التركيز على الجانب المالي

إن النتائج المالية للمؤسسة هي نتائج تنفيذ الإستراتيجية أو عدم تنفيذها. على الرغم من أن بعض التدابير المالية مثل الاستثمارات و المصاريف تستخدم في تنفيذ السياسات غير أن العديد من التدابير الأخرى هي تدابير غير مالية، كما أن بقاء المؤسسة و استمراريتها على المدى الطويل يعتمد على نجاح التدابير غير المالية مثل: موثوقية المنتج، رضا المستهلك ، التعلم التنظيمي وكفاءة العمليات الداخلية.

إن اعتماد بعض المقاربات مثل بطاقة الأداء المتوازن يمكن المؤسسات من الوصول إلى التوازن الصحيح من التدابير الضرورية لتحقيق أهداف المؤسسة، في حين أن الأدوات المالية مثل جدول حسابات النتائج لا يمكنه توفير كل المعطيات الضرورية المطلوبة، فالأدوات المالية تقدم نظرة معاملات –جانب معاملات - للمؤسسة transactional view of an organization ، وبالتالي فالاعتماد على هذا الجانب لا يدعم التخطيط و الرقابة على الإستراتيجية، وهذا مايؤدي إلى فجوة إستراتيجية.

4.2 التركيز على العوامل الداخلية

إذا قامت مؤسسة بتحديد ربح وتحقيق نمو يقدر بـ 10 ٪ سنة بعد سنة، هل يعتبر هذا مؤشر جيد للمؤسسة؟ هل ستكون نتيجة جيدة إذا كشف جدول حسابات النتائج أن الهدف تم تحقيقه بنفس التكلفة؟ ماذا إذا تم تحديد الهدف بناء على افتراضات نمو السوق بـ 5 ٪ في حين أن واقع السوق ينمو بـ 15 ٪، ففي هذه الحالة الحصة السوقية تمت خسارتها وليس ربحها.

حاليا في أغلب المؤسسات، تقارن التقارير أداء المؤسسة مع الميزانية وليس مع المنافسين أو السوق، فالإستراتيجية دوما تقوم على عوامل داخلية و أخرى خارجية منها افتراضات السوق و افتراضات المنافسين، ولضمان تنفيذ الإستراتيجية يجب مقارنة الأداء بالمبادرات الإستراتيجية و التحقق من أن الافتراضات الخارجية التي تم وضعها خلال عملية التخطيط لاتزال صحيحة، ومنه فإن غياب العوامل الخارجية في صياغة الإستراتيجية سينتج عنه بناء قرارات على ضوء أداء بعيد تماما عن الواقع  وهذا ما سينتج عنه فجوة إستراتيجية.

5.2 نقص واقعية التوقع أو التنبؤ

على الرغم من أن شروط المؤسسة تتغير بسرعة غير أن العديد من المفاجآت التي تؤثر على أداء المؤسسة يمكن توقعها باستخدام المعطيات المتاحة و التكنولوجيا المستخدمة، لذلك فإن توقع الأداء المستقبلي للمؤسسة يكون انطلاقا من خطط مبنية على محيط المؤسسة الحالي و المتوقع. غير أن العديد من المؤسسات تركز فقط على استخدام النتائج المالية في عملية التوقع، بينما التوقع الفعال يتطلب تعديل و تطوير الخطط لتحقيق الأهداف الإستراتيجية، ففي بعض الظروف مثل تغير الافتراضات فإن الأهداف الإستراتيجية يجب أن تحين. ويشتمل التنبؤ على مرحلتين:

*توقع الأداء المستقبلي بناء على المعارف الحالية.

*تقييم واختيار خطط بديلة لتغيير النتائج المتوقعة.

عند توقع الأداء المستقبلي، يجب الأخذ بعين الاعتبار دورة حياة المؤسسات، سلعها و خدماتها وبالتالي فكل سلعة أو خدمة يجب أن تحلل بصفة منفردة. بالإضافة، فالمؤسسات التي تعتمد على الاستقراء و الاستنباط البسيط سوف تصل إلى توقعات مضللة و غير واقعية، مما يعيق تعديل السلوكات بفعالية لتحقيق الأهداف الإستراتيجية وهذا مايؤدي إلى حدوث فجوة إستراتيجية.

3. النظام التكنولوجي

العامل الثالث الذي يؤدي إلى حدوث فجوة إستراتيجية يتضمن الأنظمة الكلاسيكية المستخدمة لدعم التخطيط، إعداد التقارير المالية و الميزانيات، التوقع. و النظام التكنولوجي يتعلق بالأنظمة المقسمة و الاعتماد الخاطئ على تخطيط موارد المؤسسة  و التي سوف نتطرق لها كمايلي:

 1.3 الأنظمة المقسمة

في الكثير من المؤسسات عمليات التخطيط، إعداد التقارير و الميزانيات و التوقع تعالج بصفة منفصلة و بدون وجود روابط بينها ومدعمة بحلول تكنولوجية، في حين أن جميع هذه العمليات هي جزء من عملية أشمل وهي تنفيذ الإستراتيجية، ولكن عندما يتم تنفيذ هذه العمليات بصفة غير متصلة فإنها تقدم قيمة أقل. و عادة مايقوم المسير بإعداد الميزانية باستخدام أنظمة لا تسمح له بالاطلاع على الخطة الإستراتيجية أو آخر التوقعات، وبالتالي لقيادة الأداء نحو الأحسن فالمؤسسة بحاجة إلى كل الأهداف، الخطة الإستراتيجية، التوقع وإعداد الميزانيات و التقارير المالية لأن كل هذه العناصر هي جزء من نفس العملية.

إن الأنظمة التقليدية التي تدعم التخطيط، إعداد الميزانية و التقارير المالية و التوقع، هي أنظمة غير مرنة، فكل عنصر مفصول عن البقية ويستخدم تكنولوجيا مختلفة عن باقي العناصر، مما يؤدي إلى حدوث مشاكل في الاندماج و التكامل، فالخطة الإستراتيجية تقدم كملف نصي، بينما الميزانية يتم إعدادها في جدول، والنتائج تقدم في جدول حسابات النتائج و التحليل يتم إعداده باستخدام المعالجة التحليلية المتصلة OLAP، فكل هذا التفكك و الكثافة اليدوية في استخدام هذه العناصر يؤدي إلى حدوث فجوة إستراتيجية.

2.3 الاعتماد الخاطئ على تخطيط موارد المؤسسة ERP 

إن اعتماد المؤسسات على أنظمة تخطيط موارد المؤسسة في تنفيذ الإستراتيجية يبدو جد منطقي للوهلة الأولى، لأن هذه الأنظمة تزيد من فعالية و سرعة عمليات التخطيط، إعداد الميزانيات و التقارير المالية و التوقع، فهي أنظمة تحتفظ بالمعطيات في قاعدة معطيات مركزية تستخدمها المؤسسات لمعالجة المشاكل المتعلقة بهذه العمليات، حتى أن العديد من المؤسسات ضاعفت استثماراتها في أنظمة تخطيط موارد المؤسسة و الحصول على تطبيقات مدمجة لجميع العمليات.

غير أن المشكل أن أنظمة تخطيط موارد المؤسسة ليست الوسيلة المناسبة لتنفيذ الخطط الإستراتيجية، فحسب دراسة Gartner فهذه الأنظمة ورغم استجابتها لحاجات مستخدمي المعاملات إلا أنها لا تستجيب لحاجات المستخدمين الاستراتيجيين و التشغيليين، وتعود أهم الأسباب إلى تعقيد هذه الأنظمة بالنسبة لمستخدميها وبنيتها المغلقة مما يجعل من الصعب إدماج معطيات خارج هذه الأنظمة، حيث أن هذه الأخيرة تركز على المعاملات و ليس على الإستراتيجية التي يتطلب تنفيذها توزيع الأهداف، الغايات، الاستراتيجيات و التكتيكات. فالمخطط يجب أن يكون قادرا على تقييم أثر الدوافع الاقتصادية، اتجاهات التنبؤ و توقع أثر المنافسين، و المسير الاستراتيجي بحاجة إلى القدرة على تحليل هياكل التشغيل البديلة، الاستثمارات، التخلي عن الاستثمارات، بينما أنظمة تخطيط موارد المؤسسة غير مصممة لتوفير هذه القدرات لتركيزها فقط على الفعالية التشغيلية بينما تنفيذ الإستراتيجية يتعلق بكفاءة التسيير، فالأمران مختلفان ويتطلبان أدوات و عمليات مختلفة.

شروط وجود الفجوة الإستراتيجية و خطوات تحديدها وتداركها

من أجل تحليل الفجوة الإستراتيجية، من الضروري تحديد شروط تواجدها وخطوات تحديدها وتداركها.

1. شروط وجود الفجوة الإستراتيجية

إن وجود فجوة إستراتيجية يتطلب من المؤسسة اتخاذ جملة من التدابير حتى تتمكن من تدارك الفجوة الموجودة بين الأداء الحالي و الأداء المستهدف، ومنه يجب أن تتوفر مجموعة من الشروط الأساسية:

1.1 وجود فارق كبير وواضح

يجب أن يكون الفارق بين الأداء الحالي و الأداء المستهدف كبيرا و ملحوظا ومؤثرا حتى نعتبر ذلك الفارق فجوة إستراتيجية تستحق تغييرا في المؤسسة فمثلا إذا كان هدف النشاط أو الوحدة تحقيق معدل عائد على رأس المال المستثمر يقدر بـ 10 ٪ وحقق النشاط عائدا مقدرا بـ 9 ٪ فإنه لا توجد فجوة، ولكن إذا حقق النشاط عائدا مقدرا بـ 2 ٪ فإن الفجوة توجد بين الأداء الحالي و الأداء المستهدف.

2.1 اهتمام الإدارة بالفجوة

أن تستحق هذه الفجوة اهتمام المؤسسة بها و أخذها في الحسبان ومحاولة تداركها، فقد يكون الفارق كبيرا بين الأداء الحالي و الأداء المستهدف ولكن هذا الفارق يتعلق بجانب غير مؤثر على أداء المؤسسة وبالتالي لا يستحق الاهتمام به و إنفاق وقت وموارد المؤسسة عليه.

3.1 وجود دافع لدى المؤسسة لتدارك الفجوة

يجب أن يكون للمؤسسة دافع قوي لتدارك الفجوة، حيث أن المؤسسة لا يمكنها تحقيق جميع الأهداف المحددة ، فهناك بعض الأهداف التي قد تؤجلها المؤسسة لعدم أولويتها للمؤسسة أو لنقص في الموارد أو المهارات أو غيره من الأسباب. ومثل هذه الأهمية تختلف من مؤسسة إلى أخرى، فمثلا وجود معدل دوران الأفراد مقدر بـ 30 ٪ قد يعد معدلا سلبيا يجب الاهتمام في بعض المؤسسات وقد لا يعد كذلك في مؤسسات أخرى.

4.1 اقتناع المؤسسة بضرورة تدارك الفجوة

ضرورة اقتناع المؤسسة بقدرتها على تدارك الفجوة الإستراتيجية، فلو اعتقدت المؤسسة أن هذه الفجوة توجد لأسباب خارجة عن إرادتها وأنها لا يمكنها التغلب على هذه الأسباب فإنها لن تفكر في أي بديل إستراتيجي يمكن أن يقضي على هذه الفجوة.

2. خطوات تحديد الفجوة الإستراتيجية و تداركها

تمتد عملية تحديد الفجوة الإستراتيجية في المؤسسة وتداركها على خمسة مراحل، يمكن تحديدها كمايلي:

1.2 تقييم حافظة الأنشطة الحالية و المستقبلية

تقوم هذه المرحلة على تقييم حافظة الأنشطة الحالية و توقع أعمالها في المستقبل، وتتم عملية تحديد حافظة الأنشطة الحالية كمايلي:

- يجب على المؤسسة أن تقرر نوع المصفوفة التي ستستخدمها لتحديد مركزها التنافسي.

- من الضروري تقييم جاذبية القطاع للصناعة التي تنافس فيها المؤسسة.

- تقييم المركز التنافسي للمؤسسة في كل صناعة تشترك فيها.

- تحديد الفرص و التهديدات التي قد تواجه المؤسسة في كل الصناعات التي تنافس فيها والتي قد تزيد جاذبيتها.

- تحديد الموارد و المهارات التي قد أو يمكن أن تغير من تقييم المركز التنافسي للمؤسسة.

- تحديد مركز حافظة الأنشطة الحالية بيانيا.

2.2 تقييم التوازن الكلي لحافظة الأنشطة

لتقييم التوازن الكلي لحافظة الأنشطة لمؤسسة تنشط في عدة صناعات يجب مقارنة حافظة أنشطة المؤسسة مع حافظة مثالية، والحافظة المثالية لمؤسسة ما يجب أن يتوفر فيها مايلي:

- تتضمن منتجات ناجحة.

- تتضمن منتجات قائمة لتمويل نمو منتجات في طور النجاح.

تعتبر عملية تكوين حافظة الأنشطة من أصعب الأمور لأن غالبية المنتجات القائمة تمول نفسها، إلا أنها لا تدر نقدية لتمويل نمو المنتجات الناجحة في مرحلة التطوير. وبصفة عامة، توفر حافظة الأنشطة المتوازنة للمؤسسة نموا وأرباحا مستقرة يمكن الاعتماد عليها عند درجة منخفضة من الخطورة عن محافظ الأنشطة غير المتوازنة.

3.2 تحديد وحدات الأعمال الإستراتيجية

هناك ثلاثة أنواع من وحدات الأعمال الإستراتيجية:

- التي يتوقع لها أن تمر بتحول رئيسي في مركزها التنافسي إذا لم تحدث تغييرات إستراتيجية تنافسية مناسبة.

- تلك الوحدات التي تواجه فرصا وتهديدات في محيطها عند تقديم المركز الحالي لحافظة الأنشطة.

- تلك الوحدات التي يتناقص أداءها الحالي والتي يجب أن تحظى بالاهتمام، وعليها أن تنشط أكثر لمواجهة المنافسين.

4.2 قييم أثر اتجاهات المحيط العام على المحيط الخاص المؤسسة

تتمثل في تقييم أثر التغيرات الثقافية، الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية و التكنولوجية... أي تحليل PESTEL.

5.2 تحديد البدائل الرئيسية لتجاوز الفجوة الإستراتيجية و تقييمها

يتم تحديد البدائل الرئيسية لتجاوز الفجوة الإستراتيجية كمايلي:

- تغيير استراتيجيات الاستثمار لبعض وحدات الأعمال الإستراتيجية التابعة للمؤسسة بما يؤثر على المركز التنافسي لوحدة الأعمال وتغير مستوى الموارد المخصصة لها دون التغيير في الاستراتيجيات المستخدمة لتوجيه هذه الموارد نحو السوق.

- تغيير استراتيجيات المركز التنافسي لبعض وحدات الأعمال الإستراتيجية التابعة للمؤسسة بما يؤثر في مركز حافظة الأنشطة التنافسية لوحدة الأعمال الإستراتيجية المحددة مع تغيير في توجيه مواردها نحو السوق.

- إضافة بعض وحدات الأعمال الإستراتيجية الجديدة إلى حافظة أنشطة المؤسسة.

- حذف بعض وحدات الأعمال الإستراتيجية القائمة من حافظة أنشطة المؤسسة.

- تغيير الاستراتيجيات السابقة لبعض وحدات الأعمال الإستراتيجية التابعة للمؤسسة.

 - إعادة النظر في الأهداف الإستراتيجية للمؤسسة.

- دراسة إمكانية الاستمرار بالإستراتيجية الحالية و البحث في سبل معالجة مشاكل الفاعلية التشغيلية كالمقارنة المرجعية، إدارة الجودة الشاملة أو إعادة الهندسة...الخ.

- إمكانية التوسع بإدخال منتجات جديدة أو وحدات أعمال جديدة.

- دراسة إمكانية دخول أسواق جديدة أو قطاعات سوقية جديدة.

- العمل على التخلص من المنتجات أو وحدات الأعمال ذات الأداء الضعيف.

وبالتالي فإن معالجة الفجوة الإستراتيجية تكون على مستويين، على المستوى الاستراتيجي يتم التركيز على تقييم الإستراتيجية الحالية للمؤسسة وفيما إذا كانت تحتاج إلى إجراء تغيير فيها، أما على المستوى التشغيلي يتم تغيير النظم والطرائق المستخدمة في تنفيذ الإستراتيجية.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة