U3F1ZWV6ZTM4NDgxMTk4MDE3NjZfRnJlZTI0Mjc3MjY3MjA5NDU=

المؤسسات الصغيرة و المتوسطة مفهوم يمثل قيم أكثر من المعاني

 

المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

مقدمة

يوجد اختلاف بين المؤسسة الصغيرة و المتوسطة ذات الطابع العائلي الفلاحي في جنوب فرنسا و المؤسسة المهنية و التجارية في ايطاليا وبين المؤسسة العالية التكنولوجيا في silicon valley في الولايات المتحدة الأمريكية، أو المؤسسة التي تنشط في إطار غير رسمي في إفريقيا وبين المؤسسة المناولة في اليابان أو المؤسسة المستأجرة في الصين. إن محاولات تعميم مفهوم واحد للمؤسسات الصغيرة و المتوسطة تركز على مجموعة ثوابت تهمل الخصوصيات و الفوارق، وبهذا من الواضح أن المؤسسات الصغيرة و المتوسطة لا تحمل نفس المعنى باختلاف المناطق فنجد المؤسسات الصغيرة و المتوسطة مختلفة بين المجتمعية و الفردية وبين المعاصرة و التقليدية. 

لقد أصبح مفهوم المؤسسات الصغيرة و المتوسطة موضوع إجماع في كل الطبقات الاقتصادية و السياسية لأسباب متعددة، فالمؤسسة الصغيرة و المتوسطة رمزا لحرية التجارة و المقاولاتية، الاستقلالية، العائلة و العمل، وهي المؤسسة المبتكرة الحاملة للتقدم التقني، كما هي مؤسسة ذات طابع إنساني وأكثر اهتماما بالعنصر البشري من المؤسسات الكبيرة، كما تحافظ على التوازن الاجتماعي في مواجهة المتطلبات الاقتصادية.

إن المؤسسة الصغيرة و المتوسطة اليوم هي نموذج المؤسسة المرجع the entreprise model  of reference، وذلك بتشبع هذه المؤسسات بالقيم المقاولاتية كروح المبادرة، تحمل المسؤولية، الطموح، المخاطرة، الإبداع، القدرة على التكيف، سلوك التسيير في ظل عدم اليقين، تسيير المشاريع...الخ. 

لقد أصبحت المقاولاتية فلسفة الأعمال المسيطرة، فالمؤسسات الكبيرة اليوم تقوم بإعادة هندسة لبنيتها، كما تقوم بأخرجة أنشطتها أي المناولة outsourcing ، وتقوم بتسطيح سلمها الهرمي downsizing، وتمنح لموظفيها فرصة ريادة الأعمال داخل المؤسسة من خلال المقاولاتية الداخلية intrapreneurship، وتشجع إنشاء المؤسسات الصغيرة و المتوسطة من طرف إطاراتها أصحاب الخبرة من خلال التفريخ spin-off.

أساسيات خصوصية المؤسسات الصغيرة و المتوسطة:

إن ظهور بعض الإشكاليات حول تسيير المؤسسات الصغيرة و المتوسطة أدى إلى ظهور مجتمع علمي متخصص في تسيير هذه المؤسسات أو مايعرف PMEistes، كان اهتمامهم إيجاد قواعد وأساسيات لنظرية المؤسسات الصغيرة و المتوسطة و أسلوب تسييرها.

1- اقتصاديات الحجم و عكسها Economies of scale- diseconomies of scale : 

إن التحليل الاقتصادي الكلاسيكي كان يعتبر ولمدة طويلة أن البحث عن الحجم الكبير ضمان تنافسي للمؤسسة، وهذا ما جعل أكثر الباحثين يوضحون مزايا الحجم الكبير ويتساءلون حول الحجم المثالي المناسب للمؤسسة.إن اقتصاديات الحجم ظاهرة كلاسيكية، كلما زاد الإنتاج نقص معدل العائد وهذا هو التبرير العلمي لزيادة الحجم، وبالتالي كلما زاد حجم المؤسسة  قل معدل العائد للمنتج وهذا ما يكسب المؤسسة تنافسيتها. إن ظاهرة انخفاض تكاليف الإنتاج ليس لها حدود معينة فهي تتباطىء إلى عتبة معينة تدريجيا ثم تختفي وفي هذه الحالة تظهر الحالة المعاكسة أي زيادة الحجم ترافقه زيادة التكاليف، فيصبح الحجم في هذه الحالة عامل عدم مرونة.إن مبدأ اقتصاديات الحجم و ما يعاكسها هو مبدأ ملائم للتبرير النظري لوجود المؤسسات الصغيرة و المتوسطة.

2- اقتصاديات المجال وعكسها Field economies-field diseconomies

ونعني بها الأفضليات المتعلقة بالتنويع، فالمؤسسات الكبيرة المتنوعة تملك أفضلية مقارنة بالمؤسسات الصغيرة و المتوسطة ذات الإنتاج الواحد. فالمؤسسات الكبيرة عن طريق توسيع تشكيلة منتجاتها تزيد من سمعتها، تحقيق أفضليات الزيادة و التحكم في التكاليف الثابتة غير المباشرة، كما أن التنويع يلعب دورا مثبطا للمخاطر، حيث يمكن للمؤسسة الكبيرة أن تتخلى تدريجيا عن نشاط يعتبر في تراجع و التركيز على الأنشطة ذات النمو الكبير وبالتالي فاستدامة المؤسسة مرتبطة بالتسيير المتوازن لحافظة الأنشطة، بينما المؤسسة المتخصصة تكون هشة أكثر لان مستقبلها يعتمد على نشاط واحد يمكن أن ينخفض في السوق مع مرور الوقت إلى أن يصبح مهملا. في حين يمكن اعتبار التخصص ميزة، فالمؤسسة المتخصصة تعرف مهنتها أحسن، كما تركز كل جهودها على التحسين المستمر لنشاطها، من ناحية أخرى فالتنويع يمكن أن يؤدي إلى تشتت قدرات المؤسسة و الدخول في أنشطة لا تتحكم فيها، فالعديد من المؤسسات تقع ضحية ما يسمى بفقدان الهوية وتبحث على التركيز على نشاطها الرئيسي، و عادة ما تستفيد المؤسسات الصغيرة و المتوسطة من ميزة التخصص إلى أن تصل إلى مستوى المؤسسات العالمية المتخصصة في مجال محدد، ذلك أن التخصص في مجالات مستهدفة يعتبر كقاعدة للتنافسية للعديد من المؤسسات الصغيرة و المتوسطة لأنها تحد من الصراعات التنافسية و تضمن وضعية شبه احتكارية من خلال اعتمادها على ميزة تنافسية توازن بين تكنولوجيا محددة وحاجات متخصصة على قاعدة عالمية، فنجد على سبيل المثال مؤسسة le verre fluoré مؤسسة مصغرة بسبعة عمال وهي الرائد العالمي في صناعة- حسب المقاس- للألياف و المكونات البصرية تحت الحمراء وتبيع هذه المنتجات بقيمة مضافة عالية و تكنولوجيا عالية إلى مؤسسات عالمية مثل:NASA ,General MotorsSony.

3- اقتصاديات التجربة وعكسها The economies of experience-the diseconomies of experience

إن نظرية أثر التجربة تقوم على أن تكلفة إنتاج منتج تقل بصفة ثابتة مع مضاعفة الإنتاج المتراكم، إن أسباب هذه الظاهرة بسيطة بسبب تكرار مهمة معينة وبالتالي فالوقت الضروري لانجازها يقل.إن الإثبات التجريبي لهذه الظاهرة كان في مجال الطيران وانتقل استخدامها إلى المجال الصناعي أين تكون أنشطة التجميع متعددة كمجال السيارات، الأجهزة الكهرومنزلية، الطيران...الخ، وبالتالي فتراكم حجم الإنتاج يسمح للمؤسسة من الاستفادة من اقتصاديات التجربة، ذلك أن منحنى التجربة يقوم على تراكم المعرفة على مدار الزمن، كما أن أثر التجربة مشروط ببقاء المحيط مستقر لأن الخبرة تقوم على تكرار سياق معطى و بالتالي فتغير السياق قد يعتبر عامل أساسي لمقاومة التغيير.وهنا تبرز واحدة من خصائص المؤسسات الصغيرة و المتوسطة وهي أن سلوكها يقوم على التكيف مع التغيرات المختلفة، هذه المرونة في التكيف تسمح لهذه المؤسسات بأحسن مقاومة للأزمات أكثر من المؤسسات الكبيرة.

4- أثر الحجم size-effect :

يؤثر حجم المؤسسة على بنية المؤسسة، فكلما كانت المؤسسة كبيرة كلما كانت بنيتها أكثر تفصيلا و المهام أكثر تخصصا والوحدات تكون مختلفة والعنصر الإداري أكثر تطورا.و يعد الحجم أول عامل لفهم سير المؤسسة، حيث توجد حدود فاصلة بين المؤسسات الصغيرة و المتوسطة و المؤسسات الكبيرة. إن الحجم ليس عامل ساكن وإنما متغير ديناميكي، فكلما كبرت المؤسسات كلما مرت بانتقالات هيكلية والمهم فيها طبيعة التغيرات أكثر من درجة التغيرات. كما يؤثر الحجم على نمو المؤسسات، فمع زيادة الحجم تنتقل المؤسسة من مرحلة اليرقة نتيجة التطورات الحاصلة إلى مرحلة الفراشة، فالنمو ليس ظاهرة مستمرة ومباشرة على العكس هو ظاهرة متقطعة تتخللها أزمات وتحولات، فدرجة تغير الحجم يرافقها تغير في طبيعة المؤسسة، فالمؤسسة الصغيرة  ليست مؤسسة IBM مقسمة على عدة أقسام وإنما طبيعة تقسيم العمل مختلفة في المؤسستين.

5- أثر التكبير magnification effect

إن كثافة المشاكل التي تعاني منها المؤسسات الصغيرة و المتوسطة هي ليست نفسها في المؤسسات الكبيرة، فخروج فرد إلى التقاعد لن يشكل فرقا بالنسبة لمؤسسة كبيرة، أما بالنسبة لمؤسسة صغيرة مكونة من عشرة أشخاص فلكل فرد وزنه في المؤسسة. إن آلية عمل المناولة توضح كذلك كثافة التغيرات بين المؤسسات الصغيرة و المتوسطة والمؤسسات الكبيرة، فالمناولة تلعب دور أساسي كمثبط للأوضاع الاقتصادية، فعندما يرتفع الطلب تقوم المؤسسة المانحة بتوزيعه على المؤسسات المناولة، وعلى العكس تقلص المؤسسة المانحة الطلبات إلى المناولين أو تقوم هي بنفسها بالقيام ببعض المهام، إن زيادة الإنتاج المتعلق بتقلب الأوضاع يمكن أن يترجم بتقلب لدى المؤسسات الصغيرة و المتوسطة أكثر منها لدى المؤسسات الكبيرة. فما يعد أمور داخلية، محلية أو تصحيحية لدى هذه الأخيرة يكون ذو أهمية إستراتيجية بالنسبة للمؤسسات الصغيرة و المتوسطة.

انطلاقا مما سبق، يمكن القول أن مفهوم المؤسسات الصغيرة و المتوسطة مرتبط بثلاث مفاهيم:

Pbutterfly Effect- effet Papillon أثر الفراشة

MMicrocosm effecteffet de Microcosme أثر العالم الصغير

Eeffet dEgotrophie Effect of Egotrophy- أثر عظمة الأنا

أثر الفراشة يوضح كيف أن ظاهرة صغيرة مثل خفقان جناحي فراشة في استراليا يمكن أن يؤدي إلى سلسلة من ردات الفعل قد تكون نتائجها كارثية كزلزال في الولايات المتحدة الأمريكية، نفس الأمر في مجال المؤسسات، فحدوث أزمة في الدول الآسيوية ستكون له انعكاساته على بعض المؤسسات في أوروبا، وهذا سيكون له انعكاساته و أثره على المؤسسات الصغيرة و المتوسطة المحلية التي تعتقد أن هذه الصدمات بعيدة عنها.إن أثر الفراشة هو التمثيل الواضح لأثر التكبير ويكون له الأثر الأكبر كلما كانت المؤسسة صغيرة. فهشاشة المؤسسات الصغيرة و المتوسطة يمكن قياسها بتبعيتها الاقتصادية ليس فقط لزبائنها وإنما أيضا لكل الشروط الاقتصادية و الاجتماعية.

بينما يوضح أثر العالم الصغير أن مسير المؤسسة الصغيرة و المتوسطة يركز اهتمامه الفوري في المكان و الزمان، فهذا المسير يفكر غالبا في المدى القصير و يفضل الحلول السريعة على حساب الحلول الإستراتيجية، وهذا الأثر لا يكون داخل المؤسسة فقط وإنما خارجها أيضا في علاقة المؤسسة مع محيطها، فالصورة الاجتماعية للمؤسسة تتأثر بدور المؤسسة في ربط العلاقات.

إن المؤسسة الصغيرة و المتوسطة تتميز بمركزية أسلوب تسييرها، إذ أن شخصية المسير تظهر من خلال الأعمال اليومية للمؤسسة، حيث قيم المسير، جانبه النفسي-الاجتماعي، أهدافه وطموحاته تحدد سير المؤسسة، وهنا يبرز أثر عظمة الأنا الذي يرمز إلى خطر تعاظم أنا مسير المؤسسة الصغيرة و المتوسطة الذي يريد القيام بجميع الأعمال بنفسه و العلم بما يحدث داخل المؤسسة دون المشاركة مع باقي الأفراد، حيث كلما صغر حجم المؤسسة كلما زاد وزن ودور المسير.






تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة